الإمام: ابن قدامة المقدسي

الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، المقدسي، الصالحي من أشهر علماء الحنابلة، ومن أشهر من عاش من الحنابلة في فلسطين الأبية؛ ذلك لأنه ولد في شهر شعبان، عام: واحد وأربعين وخمسمائة من الهجرة (541هـ)، بجماعيل، وهي إحدى قرى مدينة نابلس قريبة من القدس، بفلسطين العامرة.

وقد شارك مع صلاح الدين الأيوبي في القضاء على الصليبيين الذين احتلوا أرضها، وتلقى العلوم على أيدي علمائها وغيرهم، ودرَّس المذهب الحنبلي في القدس؛ لأنه كان يُعد من كبار علماء الحنابلة هناك.

وبالنظر في نشأة ذلك العالم يُعلم أنه قد نشأ بين أحضان أسرة عرفت بالعلم والمعرفة والصلاح والتقوى، وعندما استولى الصليبيون على أرض فلسطين انتقل به والده وأستاذه من جماعيل إلى جبل قاسيون نواحي دمشق، وهو ما زال في سن الصبا، فأقام بها مدةً مع أسرته، وأخذ العلم عن كبار مشايخها، ولم يقتصر على علماء دمشق فحسب، بل رحل إلى بغداد ومكة وغيرهما من البلاد ليتلقى العلم عن كبار المشايخ والعلماء، حتى أصبح إمامًا في الفقه والفتيا، عالمًا بالخلاف، عارفًا بالحديث، والفرائض والأصول، وعلوم كثيرة، فتولى إمامةَ محراب الحنابلة بدمشق، وإمامة الجامع المظهري بها.

ثم إن الإمام ابن قدامة رضي الله عنه بعد أن ذاع صيتُه في بلاد الشام، وأسس بها مدرسة للحنابلة وصار له بها تلاميذ يحملون راية المذهب بعده، رحل إلى أرض بيت المقدس، ومكث بها زمانًا يُدرس المذهب الحنبلي ويفتي، حتى ذاع صيته فيها، وراج علمه، وكان من كبار علماء الحنابلة الذين يُشار إليهم بالبنان في بيت المقدس، بل وفي الشام بأسرها آنذاك. 

وإن بلاد القدس المباركة قد شهدت انتشارًا واسعًا للمذهب الحنبلي، وكثر فيها علماؤه؛ بسبب أن قد عاش بها ابن قدامة الجدُّ الكبير، والذي جاء من نسله الإمام: موفق الدين ابن قدامة، فسار على دربه، فخدم المذهب الحنبلي خدمةً عظيمة بمؤلفاته المفيدة والنافعة، والتي منها على سبيل المثال: المغني في شرح مختصر الخرقي -والذي يُعَدُّ موسوعة فقهية عظيمة-، والعمدة، والمقنع، والكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، والشافي، وروضة الناظر وجنة المناظر، وغير ذلك من المؤلفات الكثيرة والمفيدة. فساهم بهذا وغيره في نشر المذهب في بلاد بيت المقدس.

ومن الأمور العظيمة التي قام بها الإمام ابن قدامة المقدسي: أنه خرج مع أخيه أبي عمر أثناء الحروب الصليبية، تحت قيادة بطل الإسلام، ومحرر بلاد الشام، وغيرها من بلاد الإسلام، الناصر صلاح الدين الأيوبي، فشارك في عدد من الفتوحات الإسلامية، وكان في مقدمة جيشه يوم التوجُّه لفلسطين وفتح القدس العظيم، وتحريره من أيدي المحتلين الصليبيين، ورفع راية الإسلام والمسلمين على أرض القدس المبارك. 

وبعد حياة حافلة بالعلم والمعرفة، والجهاد لنصرة بلاد الإسلام، والتآليف النافعة المفيدة، انتقل إلى جوار ربه يوم عيد الفطر المبارك، سنة: ستمائة وعشرين من هجرة خير المرسلين (620هـ).

المراجع:

  • تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، لشمس الدين الذهبي، 13/ 601، وما بعدها، ط. دار الغرب الإسلامي.
  • العبر في خبر من غبر، للإمام الذهبي، 3/ 180- 181، ط. دار الكتب العلمية.
  •  شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد، 7/ 155، وما بعدها، ط. دار ابن كثير.
  •  فوات الوفيات، 3/ 433- 434، ط.
  •  الوافي بالوفيات، لصلاح الدين الصفدي، 18، 143، 144، ط. دار إحياء التراث.