الإمام ابن رسلان الشافعي

ممن عاش من علماء المذهب الشافعي الكبار على أرض فلسطين المباركة، ودرَّس المذهب الشافعي لأهلها الإمام الجليل: شهاب الدين أحمد بن حسين بن حسن بن علي بن رسلان، رأس الصوفية في عصره.

ولد الإمام ابن رسلان بمدينة رملة بفلسطين الأبية، عام: ثلاثة وسبعين وسبعمائة (773)، وبها نشأ وترعرع.

وكان معروفًا بين أهل فلسطين بالزهد، والورع، والتقوى، وقد شهدت عليه هذه الأرض العامرة بعطاءاته العلمية؛ حيث برع في علوم شتى، إلى أن صار إمامًا لأهلها وغيرهم ممن حولها من المدن، فكان يقتدي به الناسكون فيها؛ لكونه منارًا يهتدي به السالكون، كما شهدت هذه الأرضُ إمامته في علم الفقه الشافعي، وأصوله، وعلوم العربية، والحديث، والتفسير، والكلام، وغير ذلك من العلوم؛ فقد نبعت وتفجرت من بلاد فلسطين على يديه كثيرٌ من التصانيف، منها على سبيل المثال لا الحصر: "متن الزبد في الفقه الشافعي"، وشرح "جمع الجوامع"، وله مختصر على "روضة الطالبين" و "المنهاج" للنووي.

وقد عاش الإمام ابن رسلان الشافعي في تلك الأرض المباركة واكتسب من بركاتها التي أفاضها الله عليها، فحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، وتوجه إلى مدرسة الخاصكية بالرملة للاشتغال بالعلم، وولي التدريسَ في الخاصكية مدةً من الزمن، وما أن جمع ما أراد من العلوم وتشربها جدًّا حتى  ارتحل إلى بيت المقدس ونُصِّب للتدريس والإقراء في المسجد الأقصى، ثم مدرسة الختنية قبلة الأقصى، فدرَّس المذهب الشافعي وكذا سائر العلوم؛ حتى صار المشارَ إليه بالزهد والعلم في البيت المقدس كله. وكان يُقصد للزيارة من سائر الآفاق مما جعل للمذهب الشافعي انتشارًا في تلك المدينة وما حولها من المدن.

كانت بلاد القدس المباركة بحقٍّ أرضًا خصبة؛ ببركة ما فيها من المقدسات وما فيها من آثار للأنبياء والصالحين. وقد انتشر بها المذهب الشافعي على يد ذلكم العالم الحاذق والفقيه الورع.

وقد عاش الإمامُ ابن رسلان حياةً حافلة بطاعة الله والعكوف على العلم والتعلم، حتى انتقل إلى جوار ربه، وكان ذلك -على الأرجح- في شهر رمضان، سنة أربع وأربعين وثمانمائة، (844)، وقيل: في شهر شعبان، بسكنه من المدرسة الختنية بالمسجد الأقصى، وارتجَّ بيت المقدس بأكمله لموته، ودُفن رضي الله عنه بتربة "ماملا" بِالقرب من سَيِّدي أبي عبد الله القرشي، وصُلِي عليه صلاة الغائب بالجامع الأزهر وغيره من المساجد في بقاع الدنيا، وفي هذا إشارة إلى صلة القاهرة المعمورة ببلاد بيت المقدس.

ومما يُروى من كراماته التي حصلت له عند دفنه في مدينة القدس: أنه لما أُلحد في القبر، سمع الحفَّارُ صوتًا يقول: ﴿رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾ [المؤمنون: 29]، وقد حصل له غيرها من الكرامات أثناء حياته.

المراجع:

  •  شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد، 9/ 362- 363، ط. دار ابن كثير.
  •  المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، لأبي المحاسن، 1/ 288- 289، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
  • البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للإمام الشوكاني، 1/ 49، وما بعدها، ط. دار المعرفة.
  • الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للإمام السخاوي، 1/ 281، وما بعدها، ط. مكتبة الحياة.
  • بهجة الناظرين إلى تراجم المتأخرين من الشافعية البارعين، للإمام الغزي، ص 146- 147، ط. دار ابن حزم.