مسرى سيدنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

مسرى سيدنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

مما يؤكد كون المسْجد الأقصى معلمًا إسلاميًّا رفيع المستوى أنَّه مسرى نبي الإسلام وخاتم النبيين، وخطُّ سير أقدامه صلوات الله وسلامه عليه؛ كما جاء في القرآن الكريم فقال عزَّ وجلَّ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الإسراء: 1]، وقد أكد العلماء على ما نصَّت عليه الآية الكريمة من أنه المكان الذي توجه إليه رسول الإسلام عليه السلام في مسراه، ومن ذلك ما قاله ابن إسحاق في «السيرة النبوية»: "أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى- وهو بيت المقدس- وقد فشا الإسلام بمكة، وفي القبائل كلها".

فإلى الأقصى كان الإسراء ومن الأقصى كان المعراج، فمن جملة المصادر التي استمد منها الأقصى مكانته ومنزلته في نفوس المسلمين أجمع أنه موطن الإسراء له صلى الله عليه وسلم، ومن هذه المكانة: أنه لا يجوز أن تُشَدَّ الرحال شرعًا إلا إلى المسجدين المكي والمدني، وهو ثالثها.

وإن معنى الإسراء بصفة عامة هو سيْرُ اللَّيل، والمقصود به في الآية الكريمة: هو الإسراء بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس بالشام.

فمعنى قول الله تعالى: ﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾: أنه قد جعل البراق يسري به، فالمقصود بهذا الخبر القرآني هو ذكر المُسرى به لا ذكر الدابة التي سَرت به، فالمُسرى به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أكد الله تعالى أن هذا الأمر كان ليلًا بقوله: ﴿لَيْلًا﴾ مع أن قوله: ﴿أَسْرَى﴾ يدل على السير ليلًا، ليدلنا على أن السير إنما كان في جزء قليل جدًّا من الليل.

ومن الروائع التي قيلت في هذا الأمر ما قاله أحمد شوقي في "الهمزية النبوية":

يا أيــها المُــســرى به شَـــرفًا إلى     ما لا تَنالُ الشمس والجَوزاءُ

وإن السرَّ في إسرائه صلى الله عليه وآله وسلم أولًا إلى بيت المقدس هو إظهار الحقِّ على مَن عاند؛ لأنه لو أخبر ابتداء بعرُوجه إلى السماء لاشتدَّ إنكارُهم وعظُم ذلك في قلوبِهم ولم يُصدِّقوه، فأخبرهم عن بيتِ المقدس، فلما تمكن ذلك في قلوبهم وبان لهم صدقُه وقامت الحجة عليهم له، أخبرهم بصعوده إلى السماء العليا وسدرة المنتهى وبقرينة قوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ۝ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النجم: 8، 9]، وذلك المعراج كان من المسجد الأقصى.

وكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتخذ المسجد الأقصى موضعًا يسري إليه، وينطلق منه إلى ملاقاة الله تعالى، دليل واضح على اهتمام الإسلام بهذا المسجد، وعلى كونه معلمًا يمثل لدى المسلمين الكثيرَ والكثير.

المراجع:

  • سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للصالحي 3/ 17، ط. العلمية.
  • شرح الشفا، للملا عليّ القاري 1/ 386، ط. دار الكتب العلمية.
  • فتح الباري، لابن حجر العسقلاني 7/ 199، ط. دار المعرفة.
  • الفتح القسي في الفتح القدسي، لعماد الدين الكاتب ص: 69، ط. دار المنار.
  • البداية والنهاية، لابن كثير 3/ 137، ط. دار إحياء التراث العربي.
  • تفسير الثعلبي 6/ 96، ط. دار إحياء التراث العربي.  
  • نور المسرى في تفسير آية الإسرا، لأبي شامة المقدسي ص: 68، ط. مكتبة المعارف.