أسباب وآثار مرور الأنبياء عليهم السلام على فلسطين

مما يميز مدينة القدس خصوصًا ودولة فلسطين عمومًا عن كثير من غيرها من المدن أو البلدان، أن الله تعالى اختصها وجعلها موطنَ التقديس والتطهير، ومنبع البركات، وأرض النبوات، ومهبط الرسالات، فقد اختصها سبحانه وتعالى بكثير من الخصائص، فكانت موئلًا للسادة الأنبياء ومستقرًّا لأجسادهم الطاهرة في حياتهم البرزخية، ولا يخفى أن هناك تلازمًا بينها وبين الأنبياء، فهم سكنوها لكونها مباركةً، وهي ازدادت ببركة سكناهم على أرضها؛ فلذا يظهر لنا سبب اتخاذهم لها موطنًا يسكنون ويُدفنون فيه، في نفس الوقت الذي يظهر فيه مدى ما تركوه فيها من بركات ونفحات في حياتهم وبعد مماتهم.

وقد تحدث القرآنُ الكريم عن هذا الأثر، وبيَّنه بوضوحٍ شديد، كما في قول الله تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 71]؛ وهذا حديث عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو خطاب يُظهر لنا مدى أثر بركة هذه الأرض المقدسة، وكيف أنها احتضنت الـمُباركين من الناس، كأبي الأنبياء، عليهم جميعًا السلام.

ومما يُظْهِر لنا أسباب وآثار مرور الأنبياء عليهم السلام على فلسطين، أنها كانت الأرض التي يُبعثون منها، فمن ذلك أنه قد قُرأت على أرضها الكتب السماوية الأربعة المنزلة من عند الله: (التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان)، وقد زادها المولى سبحانه وتعالى بركة وشرفًا ورفعة وتقديسًا بأن جعلها محطَّ مسرى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى رب العالمين، كما قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1]، وبها أمَّ النبيُّ صلوات ربي وسلامه عليه جميعَ الأنبياء والمرسلين وصلَّى بهم، فهي أرض مباركة مختصة بالطهارة؛ فلكل هذا تبقى أعظم خصائص بلاد فلسطين أن الله سبحانه وتعالى قد أكرمها بأن جعل ثلةً من الأنبياء يُقيمون بها، ويعيشون على أرضها، وتتوالى خُطاهم المباركة على ثراها.

ولا يخفى أن من أهم أسبابِ هذه السكنى الطيبة أن قد جُعِلَتْ أرضُها خصبة، وأشجارها كثيرةً، وثمارها وأنهارها طيبة، فكان العيشُ لهذه الأسباب فيها طيبًا، ومن هنا طابت لسيدنا إبراهيم عليه السلام، وغيره من السادة الأنبياء الكرام عليهم جميعًا أزكى وأطهر السلام، فاتخذها مستقرًّا لهم وموطنًا لإقامتهم.

فكان لسكن واستقرار ودفن الأنبياء أثرٌ كبيرٌ في تاريخ جميع جهات بلاد فلسطين، ومنها: إطلاق أسماء بعضهم على الأماكن، والمدن، والمساجد، وغيرها ببلاد فلسطين، ومنها: انتفاع أهلها بإرشاداتهم أحياءً، وبركاتهم منتقلين.

المراجع:

  • "تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس"، للعلامة محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري، 1/ 86، ط. دار صادر.
  • البدء والتاريخ، لمطهر بن طاهر المقدسي، 3/ 51، ط. مكتبة الثقافة الدينية.
  • قصص الأنبياء، لابن كثير، 2/ 265، ط. دار التأليف.
  • البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان؛ لعماد الدين الكاتب، ص: 72، ط. المكتبة العصرية.
  • مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي، 2/ 180، ط. دار الرسالة العالمية.