بدأ هذا الحدث التاريخي حينما جاء المسلمون إلى مدينة القدس، وطلبوا الدخول إلى بيت المقدس، في السنة الخامسة عشرة، أو السادسة عشرة، فمُنعوا من الدخول، ولم يكن طلب المسلمين إلا أن يقوموا بعرض الإسلام على الناس وإعلامهم به، ومن شاء فليؤمن، ومن لم يشأ فلا إكراه في الدين، ولم يتم تمكين المسلمين من الدخول، واشترط أهل القدس ألا يدخل أحد من المسلمين بيت المقدس ولا يتسلم مفاتيح المدينة إلا رجل صفته كذا وكذا، وهم بهذه الصفات يصفون ويقصدون سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان الرهبان يعرفون أوصافه من كتبهم المقدسة، فأرسل سيدُنا عمرو بن العاص وسيدنا عبيدة بن الجراح إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليخبروه بما يقوله الرهبان، فلما وصل الرسول إلى عمر بن الخطاب وأخبره بما حدث -أي: أنهم أجابوا إلى الصلح بهذا الشرط- قام إلى أصحابه فاستشارهم، فأشار عليه سيدنا علي بن أبي طالب بالخروج إلى فلسطين؛ ليدخلها المسلمون، فخرج إليها، واستخلف سيدنا عليًّا على المدينة، وما أن قدم إلى بيت المقدس حتى ذهب إلى الرهبان والنصارى الموجودين في بيت المقدس، وقد طلبوا من سيدنا عبيدة ابن الجراح أن يُصالحهم سيدنا عمر بن الخطاب مثل ما صُولح عليه أهل مدن الشام؛ أي: بنفس بنود الصلح هناك، وأن يتولى عمر بن الخطاب ذلك العقد بنفسه، فذهب عمر بن الخطاب إليهم وصالحهم على ما صالح عليه أهل مدن الشام، وعرفوا أنه هو الموصوف عندهم، وأنه الفاتح لبيت المقدس، ففتح بيت المقدس، ودخل من نفس الباب الذي دخل منه نبي الرحمة ليلة أن أُسري به، وما أن دخل رضي الله عنه بيتَ المقدس حتى قام في المسجد بين الناس بصوتٍ مرتفع ملبيًا لله تعالى، ثم توجه إلى محراب داود فصلى به تحيةَ المسجد، ثم جمع الناس في الغد وصلى بهم في الأقصى المبارك.
ذكر أهل السير: أن عمر بن الخطاب لما قدم الشام ورأى غوطة دمشق ونظر إلى المدينة والقصور والبساتين، تلا قوله تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ*وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ*كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الدخان: 25- 28].
بعد ذلك قام يبحث عن الصخرة فلم يجد لها أثرًا؛ وذلك من كثرة الكُناسة التي ألقتها عليها الروم أو اليهود، فسأل عنها، فأُخْبِر بمكانها، فقام إليها فنظفها مما علق بها من القاذورات، ثم قام إلى أصحابه فاستشارهم في بناء مسجد قبة الصخرة، فأشاروا عليه بالبناء؛ لذلك كان فتح عمر رضي الله عنه لبيت المقدس حدثًا مؤثرًا في بيت المقدس من أكثر من جهة.
إن فتح سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيتَ المقدس ليس حدثًا عابرًا مر عليه الزمن، بل اشتمل على دروس عظيمة نهتدي بها إلى قيام الساعة؛ ففي هذا الفتح أرشدنا إلى مبادئ إسلاميةٍ جليلةٍ يجب على كل مسلم أن يتمسك بها، ومن أهمها: المشورة في الرأي، وحسن التعامل مع غير المسلمين، واحترام شخصياتهم، ومقدساتهم، وتوقير كبارئهم، وأنَّ على المسلم أن يشكر الله عز وجل على فضله.
المراجع: