شيخ فلسطين إبراهيم بن أبي عبلة

تَوافُدُ الصحابة الكرام رضي الله عنهم على أرض فلسطين بكثرة جعلها بلادًا خصبة للعلم والعبادة، فقد تلقى الناسُ عنهم العلم، ومن هنا فقد كثر التابعون الذين أخذوا العلم عن الصحابة وعايشوهم في رحاب بيت المقدس.

ومن أهم التابعين من أهل فلسطين الإمامُ القدوة الذي اشتُهر بين الناس بلقب (شيخ فلسطين)، إبراهيم بن أبي عبلة، واسم أبي عبلة شمر بن يقطان، أبو إسماعيل القيسي ثم العقيلي. وكان من أهم علماء هذه البلاد وأشهرهم، وقد تلقى علمه في فلسطين وخارجها، وقد سمع العلم والحديث من كثير من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: عبدُ الله بن عمر، ووَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وأبو أمامة الباهلي، وبلالُ بن أبي الدرداء، وخالدُ بن معدان، وغيرهم، رضي الله عن الجميع.

وقد كانت له صلة وطيدة ببيت المقدس، فكما كان يذهب هناك للعلم تعليمًا وتعلمًا كان يذهب أيضًا لتقسيم العطاء وتوزيعه؛ امتثالًا لأمر الخليفة الوليد بن عبد الملك الذي كان يأتمن إبراهيم بن أبي عبلة على توزيع الهبات للناس في بيت المقدس.

ومن شدة ارتباطه بفلسطين صار الناس ينسبونه إلى بيت المقدس، فيقولون عند تعريفه: هو أبو إسحاق العقيلي، الشامي، المقدسي.

ولأنه كان من بقايا التابعين ببلاد فلسطين تلقى عنه الناسُ من أهل فلسطين وغيرهم العلم، حتى إنه قد تخرَّج عليه كثيرٌ من علماء فلسطين، وأشهرهم: الإمام محمد بن زياد المقدسي؛ مما يدلُّ على أنه كانت له ببلاد فلسطين علامات بارزة، وأدوار ظاهرة.

وكان يُعرف بين أهل فلسطين وغيرهم بأنه كان ذا مهابة عند الناس، ومكانة عند الخلفاء والأمراء، فلقد أرسل إليه هشام بن عبد الملك مرةً على خراج مصر فرفض، وانزعج منه هشام، فذكَّره ببعض آيات القرآن الكريم فسُرَّ هشامٌ، وزال غضبه؛ لمكانته عنده وعند أهل فلسطين خصوصًا، ولمكانته بين الناس عمومًا.

وفي الجملة فإن الدور العلمي والمجتمعي البارز الذي كان يقوم به إبراهيم بن أبي عبلة استحقَّ بجدارة أن يُقال عنه: شيخ فلسطين، فكان إبراهيم شيخًا للبلاد بعلمه، وعمله، وفضله، وتقواه لله رب العالمين؛ فهو من العلامات الفلسطينية الواضحة على جبين تاريخ سلف هذه الأمة.

المراجع:

  • المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لابن الجوزي، 8/ 156، ط. دار الكتب العلمية.
  • تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للذهبي، 9/ 235، ط. المكتبة التوفيقية.
  • مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، 15/ 271، ط. دار الفكر.
  •  فتح الباب في الكنى والألقاب، لابن مَنْدَه العبدي، ص 40، ط. مكتبة الكوثر.