ضمرة بن ربيعة

من العلماء المحدِّثين الذين عاشوا بأرض فلسطين ودُفنوا بها: ضمرة بن ربيعة، أبو عبد الله القرشي ويقال له: الفلسطيني، والذي كان محدثًا ثقةً كما قاله عنه الإمام يحيى بن معين، ولم يكن ضمرة بن ربيعة محدِّث فلسطين فقط، بل كان بجانب هذه المكانة الحديثية فقيهًا أصوليًّا بارعًا، فجمع بهذا بين علوم الوسائل والمقاصد، ومكانته العلمية قد تجاوزت حدودَ فلسطين؛ فقد تحدث عن فقهه وعلمه علماء الأقطار والأمصار.

كما كانت مكانته هذه سببًا في تقدمه على علماء الشام كله؛ وذلك لشدة تثبُّتِه وتحرِّيه في الرواية والنقل؛ فقد كان المحدِّثون يفضلونه على من سواه؛ فيقول عنه الإمام أحمد: صالح من الثقات لم يكن بالشام رجلٌ يشبِهُه. اهـ، فكان ضمرة شيخ الشيوخ بمدينة الرملة.

ومما يُروى في فضله: أن سفيان بن عُيينة خرج ذات يوم في دمشق فنظر إلى أصحاب الحديث فقال: هل فيكم أحد من أهل الرَّملة؟ فقالوا: نعم. فقال: ما فعل فيكم ضمرة بن ربيعة الرملي؟ قالوا: توفي. وسأل عن شيوخ آخرين من دمشق، ثم قال: فبكى طويلًا ثم أنشأ يقول:

خَلَتِ الديار فسُدت غيرَ مسوَّدِ ... ومِن الشقاء تفردي بالسُّؤدَدِ

وله في بلاد فلسطين آثار واضحة، فقد أخذ عنه الحديث الشريف طائفة أجِلةٌ من محدِّثي فلسطين؛ كأبي موسى الفأخوري، وأبي عمير محمد بن النحَّاس، وهارون بن معروف المروزي، وغيرهم؛ مما يدلُّ على أنه كان شعلةً من مشاعل العلم والنور في فلسطين.

وكان سببًا في أن تكون فلسطين في زمانه مقصدًا للطلاب ومرجعًا لأهل العلم من المحدثين الأنجاب؛ فقد قدِمَت إليه طائفةٌ من مختلف الأقطار الإسلامية فأخذوا عنه الحديث الشريف: كمُؤَمِّل بن إهاب الكوفِيّ وهو كرماني الأصْلِ، نزل بالرَّملةِ فأخذ عنه، ومحمد بن عبد العزيز الرملي، أصله من واسط ببغداد، فقد سكن الرملة وأخذ عنه.

بل إنه كان من العوامل الرئيسة التي أدت إلى أن يتخذ بعضُ المحدثين دولة فلسطين موطنًا يسكنون ويعيشون -بل ويُدفنون- فيه، وذلك كما هو حال تلميذه الحسن بن رافع بن القاسم، الذي جاء إليه مِن سَرَخْس بخُرَاسان، ولازَمه في أرض فلسطين حتى توفي، ودفن بها كما قرره المحدثون والمؤرخون.

وبهذا تظهر المكانة العلمية التي كانت تتمتع بها أرض فلسطين المباركة، والتي كانت مصدرًا رئيسًا في نماء وثراء الثقافة الإسلامية في المجالات المتنوعة؛ إذ كانت هي حاضنة العلم والعلماء وطلاب العلم.

وبعد هذه الحياة الحافلة العامرة بالورع والتقوى والعلوم تُوفي الإمام ضمرة بمدينة الرملة بفلسطين، وكان ذلك في شهر رمضان سنة 200 هـ؛ ليكون بذلك مقتديًا بمن سبقه من الأنبياء عليهم السلام، والصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا ودُفنوا في هذه الأرض المقدسة.

المراجع:

  • الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، للذهبي، 1/ 510، ط. دار القبلة بجدة.
  • تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، 10/ 381، ط. المعرف النظامية بالهند.
  • توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم، لابن ناصر الدين الدمشقي، 6/ 420، ط. مؤسسة الرسالة.
  •  تاريخ دمشق، لابن عساكر، 4/ 411، ط. دار الفكر.