من الصحابة الذين اتجهوا إلى فلسطين سيدنا شدادُ بن أوس الأنصارِي الخَزْرَجِي رضي الله عنه، ولا شك في أن مجيئه إلى دولة فلسطين مما يزيدها بهاءً، وليس ذلك لأنه من أعلام الصحابة الكرام فحسب، بل لأنه كان رضي الله عنه مِن الاجتهاد في العبادة على جانب عظيم، وكان إذا أخذ مضجعه -تعلَّق على فراشه وتقلَّب عليه- يقول: اللهم إن خوف النار قد أقلقني، ثم يقوم إلى صلاته. وقد قال عبادة بنُ الصامت: كان شدادٌ من الذين أُوتوا العلم والحلم. وقال أبو الدرداء: إن الله عز وجل يؤتي الرجل العلم ولا يؤتيه الحلم، ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم، وإن أبا يعلى شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم.
وإن البلاد بصفة عامة تزداد بركة حينما يسكنها أهل العلم والحلم والفضل، فما بالنا ببلادٍ هي أصلًا مباركة بفضل الله تعالى، لا خلاف في أن هذه البركة تكون مُضاعفة.
وقد كان نزول سيدنا شداد في فلسطين وسكنه بها له إضافة أخرى، وهي أنه كان إمامًا لبيت المقدس، وإن ذلك كان عاملًا من عوامل الخير، فحينما يؤمُّ الناسَ في هذا البيت المعمور أحدُ أهم وأشهر علماء الصحابة الكرام فإن ذلك يكون من العلامات الظاهرة التي يسطرها التاريخ في صفحاته بأحرف من نور.
ومما أحبُّ أن أشير إليه هو أن سيدنا شداد بن أوس رضي الله عنه ممن اشتهروا بسكناهم ونزولهم إلى أرض فلسطين، فكثير من الناس قد يعيش في بلد لكن لا يكون ذلك مشهورًا عنه؛ وإنما يرجع ذلك لأسباب عدة، ولعل أهم هذه الأسباب هو العلم الغزير والصفات الحسنة التي كان يتمتع بها سيدنا شداد، وأيضًا أنه كان إمامًا لبيت المقدس، فهذه الأشياء مما تزيد أثرَ وتأثرَ الإنسان بالمكان الذي ينزل ويعيش فيه.
وقد توفي سيدنا شداد بفلسطين في أيام سيدنا معاوية رضي الله عنهما في سنة ثمان وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقد يكون دفنه بفلسطين أيضًا عاملًا من عوامل اشتهار سكناه بهذه البلاد المقدسة.
المراجع: