بداية العلاقة بين سيدنا تميم الدار وبين فلسطين كانت منذ مولده؛ حيث وُلِدَ رضي الله عنه وأرضاه في بيت لحم بفلسطين، وسيدنا تميم بن أوسٍ بن خارجة من بني عبد الدار، هو راهب هذه الأمة، وواعظهم في زمانه، وكُنْيَتُه: أبو رُقيَّة، وينتسب إلى بني عبد الدار بطنٍ من لخم، ويصل نسبُه إلى جده "الدار بن هانيء" الذي كان مقيمًا في أرض الخليل إبراهيم عليه السلام ببيت المقدس.
ويُعْدُّ سيدنا تميم أول من أسلم من أهل فلسطين المباركة، وقد أسلم وأخوه نُعَيْمُ بن أوس عام تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، ومع أنه ولد بفلسطين وعاش بها قدرًا كبيرًا من الزمان إلا أنه قد سكن المدينة المنورة بعد إسلامه، وظلَّ بها ولم يرحل عنها إلا بعد مقتل الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فبعدها توجه مرة أخرى ليكمل حياته ويعيش في فلسطين.
وقد منحه وأعطاه رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مكانًا مباركًا في أرض فلسطين وهو "حبرى" أو "حبرون" -الخليل حاليًّا- والمرطوم وبيت عينون وبيت إبراهيم في جنوب الضفة الغربية شمال مدينة الخليل، وَلَيْسَ لِرَسُولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قطيعةٌ من الأرض مُنِحَت لأحدٍ من الصحابة في الشام غير هذه، وظلَّت هذه العطية في يد تميمٍ وأولاده من بعده حتى دَخَلَ الفرنجةُ القدسَ سنة: 492هـ، واستولوا عليها غصبًا.
وقصةُ منحِه هذه العطية هي أنه لَّما أسلم تميم قال: يا رسول الله إنَّ الله مُظهرك على الأرض كلها؛ فهب لي قريتي من بيت لحم؛ فقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «هي لك وكتب له بها كتابًا».
وقد ظل سيدنا تميم بالمدينة حتى مقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه ثم تحوَّل إلى الشام وتولَّى إمارةَ بيت المقدس حتى تُوُفي هناك عام 40 هـ. وقد شهدت أرض فلسطين من سيدنا تميم الخير والبركة وغيرهما مما يُناسب هذه الأرض المقدسة، وذلك أنه كان كثير العبادة والتهجد، حتى قال عنه محمد بن سيرين: "كان تميم ممن يختم القرآن في ركعة"، وقال مسروق بن الأجدع: "رُوِيَ أنَّه قام ليلةً كاملةً بآيةٍ واحدةٍ من القرآن، وظلَّ يبكي بكاًء طويلًا حتى طلع عليه الفجر، وهو يُردِّد قول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية: 21].
وقد كان له بهذه البلاد أثرٌ واضح وجليل؛ وذلك لأن من أعظم مناقبه رضي الله عنه أنه أول من أضاء المساجد بالقناديل والزيت، بعد أن كانت تُضاءُ بأسرجةٍ من سعف النخل، فقد أضاء المسجد النبوي بالمدينة المنورة، ثم لمَّا رحل إلى القدس أضاءه بتلك السرج، ويعدُّ أول من أنشأ منبرًا من درجتين لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وأول قاصٍّ مأذونٍ له من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وظلَّت حياتُه رضي الله عنه حافلةً بمواعظه المباركة، وبنشر العلم في ربوع بيت المقدس، مما يظهر من ذلك أن له أثرًا بالغًا في بلاد فلسطين، وظل بها إلى أن تُوفِّيَ رضي الله عنه سنة: 40هـ، ودُفن ببيت جبرين من بلاد فلسطين.
المراجع: