سيدنا أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه

من الصحابة الكرام الذين عاشوا وأحبوا فلسطين وكان لهم أثرٌ في فتحها وإنارتها بالعلم والنور: الصحابيُّ الجليل أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه، وهو أبو أمامة صُدَيُّ بنُ عَجلان بن الحارث، وكنيته "أبو أمامة" من بني سهم، وغلبت عليه كُنيته، وقد كان للوقت الذي عاشه بفلسطين أثرٌ واضح وقيمة بارزة؛ وذلك لأنه كان من المُكثرين لرواية الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وقد حجَّ مع النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حجةَ الوداع وكان عمره آنذاك ثلاثين عامًا، وكان من أطول الصحابة عمُرًا رضي الله عنه؛ فهذه الأشياء جعلت أهل فلسطين يستفيدون من وجود سيدنا أبي أمامة ببلادهم؛ ولهذا كان من أهم الصحابة الذين عاشوا بهذه البلاد العامرة.

وقد بدأت علاقته بأرض فلسطين المباركة، في عهد الخلفية الأول سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ فلقد كان من أوائل الذين قادوا السرايا التي اخترقت أرض فلسطين المباركة في عهد الصديق رضي الله عنه عام 12هـ، فلقد كان أبو أمامة قائدًا في أول معركةٍ وقعت على أرض فلسطين المباركة، وكانت ضد الروم، وقد انتصر أبو أمامة ومن معه، ودارت أحداث هذه المعركة بقرية من قُرى غزة يقال لها: (داثن) وتقع بالقرب من غزة، فاقتتل أبو أمامة ومن معه مع الروم قتالًا شديدًا، ثُمَّ أظهر الله أولياءه، وهزم الأعداء، فكانت هذه المعركة بالنسبة لأبي أمامة أول معركة ضد الروم على أرض فلسطين المباركة.

وكان لأبي أمامة أيضًا على أرض فلسطين دور مهمٌّ في نشر العلم، فقد أورد ابن شاهين في كتابه "الترغيب في فضائل الأعمال"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" عن أبي مسلم الثعلبي رحمه الله قال: «انطلقت إلى بيت المقدس ثم رجعت حتى إذا كنت من دمشق على رأس ميلين أدركني رجلٌ فسألته من أين جئت؟ فقال: من بيت المقدس، فقلت: هل لقيتَ أبا أمامة؟ قال: نعم، قلت: فما حدَّثك؟ قال: حدثني أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ لِصَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا مَشَتْ إِلَيْهِ رِجْلَاهُ، أَوْ قَبَضَتْ عَلَيْهِ يَدَاهُ، أَوْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ عَيْنَاهُ، أَوْ سَمِعَتْ إِلَيْهِ أُذُنَاهُ، وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ، وَحَدَّثَتْ بِهِ نَفْسُهُ»، قال: قلت له: أنت سمعت هذا من أبي أمامة؟ قال: نعم، قال قلت: دمشق عليَّ حرام إن دخلتها حتى أرجعَ إلى أبي أمامة، فرجعتُ إليه فوجدته في صحن المسجد -الأقصى-.. قال: قلت يا أبا أمامة إني لقيتُ رجلًا فحدَّثني أنَّك حدثته أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال:.. وذكر الحديث.. فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد سمعتُ هذا من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مرارًا»؛ فيظهر من ذلك أن أبا أمامة رضي الله عنه كان يجلس بالمسجد الأقصى، يُعلم الناس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ممن اهتم بالعبادة بها وعاش على أرضها مُعلمًا ناصحًا.

ومع أنه ممن جاهد في سبيل الله في بلاد فلسطين وعاش ونشر العلم بها؛ إلا أنه قد توفِّيَ ودُفِنَ في سوريا سنة: 86هـ عن عمرٍ ناهز الحادية والتسعين عامًا، بحمص بقرية "أبو همامة" وقبره معروفٌ بها إلى الآن، وهو من أواخر الصحابة الذين ماتوا بأرض الشام.

المراجع:

  • شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي 1/ 351، ط. دار ابن كثير.
  • فتوح الشام، لأبي عبد الله الواقدي [المتوفى: 207هـ] 1/ 60، ط. دار الكتب العلمية.
  • معرفة الصحابة، لأبي نعيم 3/ 1526، ط. دار الوطن.
  • تاريخ الطبري، لابن جرير الطبري 3/ 406، ط. دار التراث.
  • فتوح البلدان، للبَلَاذري [المتوفى: 279هـ] ص: 113، ط. مكتبة الهلال.
  • تاريخ دمشق، لابن عساكر 67/ 223، ط. دار الفكر.