المراد بقوله تعالى: ﴿الذي باركنا حوله﴾

نال المسجد الأقصى -باعتباره أهم معالم الإسلام في فلسطين- اهتمامًا بالغًا من نصوص الشريعة الإسلامية؛ إذ هو مَسْرَى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء والمعراج، وإنَّ كل النصوص الواردة في فضيلة هذا المسجد الميمون لا تُعادل النص القرآني الذي أثبت للمسجد ولكل ما حوله ما ليس لغيره من بقاع الدنيا من الفضل والبركة، وهو ما بيَّنه القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].

وكما أن المسجد الأقصى من البقاع التي وصفها الله تعالى بالبركة؛ كما هو واضح في قوله تعالى: ﴿الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1]، فإن هذه البركة تشمل أيضًا كل ما هو داخل سور مدينة القدس والتي يقع المسجد الأقصى بداخلها، وهذا سر من أسرار الإسراء بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ فمن هنا نجد أنه قد أحاط بجوانب بيت المقدس البركات الدينية والدنيوية.

أما البركات الدينية فمن مظاهرها: أن المسجد الأقصى أُولى القبلتين، وثالث الحرمين، ولا تُشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه، وهذه الأرض التي حوله جعلها الله تعالى مسرى خاتم النبيين، ومعراجه إلى السماوات العلا، ومهبطًا لوحيه وملائكته، ومقرًّا لكثير من أنبيائه ورسله، كإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وداود وسليمان، وزكريا ويحيى وعيسى عليهم جميعًا الصلاة والسلام.

وأما البركات الدنيوية فمن مظاهرها: كثرة الأنهار والأشجار والثمار والزروع بجوار وحول المسجد الأقصى؛ فإله الكون قد بارك في تلك الأماكن بكثرة الماء والشجر والثمر وطيب العيش، وجعل البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم، وغيرها، وقد ورد عن أُبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: سُميت (مباركة) لأن ما من ماء عذب وإلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس.

وروى قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب: ألا تتحول إلى المدينة؟! فيها هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبره، فقال: إني وجدت في كتاب الله المنزل يا أمير المؤمنين أن الشام كنز الله من أرضه وبها كنزه من عباده.

فيظهر من ذلك أن المراد من قوله تعالى: ﴿الذي باركنا حوله﴾ هو أن الله تعالى قد بارك في هذا المسجد، بل وفي البقعة المحيطة به كلها، والتي تُسمى بالحرم القدسي، فقد جعل الله المسجد مباركًا، وجعل ما حوله مباركًا أيضًا؛ فشملت تلك البركة منطقة القدس بأسرها، وجمع له بين بركتي الدنيا والدين؛ ليكون مباركًا من كل الجهات التي هي مصدر البركة.

فيظهر أن المسجد الأقصى يستمدُّ الأهمية العظيمة التي يحظى بها من أبناء هذا الكوكب بمختلف الديانات والأطياف، من كونه مكانًا باركه خالق الأرض والسماء، وجعله مكانًا تنزل فيه الرحمات، وتهدأ فيه الأرواح، ولعل هذه البركة من أهم الأسباب التي جعلت منطقة القدس التي بها هذا المسجد محلًّا لأطماع الكثير قديمًا وحديثًا.

المراجع:

  • السيرة النبوية، لابن هشام، 1/ 396، ط. مصطفى البابي.
  • تفسير الرازي، 2/ 339، ط. دار إحياء التراث العربي.
  • تفسير الطبري، 17/ 357، ط. مؤسسة الرسالة.
  • اللباب في علوم الكتاب، 13-542، ط. دار الكتب العلمية.