المسجد الأقصى له أسماء كثيرة؛ لشرفه ورفعة مكانته، وقد ذُكر في أسمائه سبعة عشر اسمًا، وأشهرها: المسجد الأقصى، والقدس، أو بيت المقدس، وغيرها. وفلسطين تشتمل على مساجد كثيرة رغم أن موقعها ليس كبيرًا، والمسجد الأقصى من أهمها، وهو الذي أشار الله تعالى إليه في القرآن الحكيم في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1]، ومن هنا تظهر قدسية المسجد الأقصى من جهة، ويظهر ارتباطه وارتباط المسلمين به من جهة أخرى.
وإن هذا المسجد يقع في وسط مدينة القدس، ومدينة القدس يوجد في وسطها سور محيط على الصخرة، وحقيقة المسجد الأقصى جميع ما يحيط بهذا السور، وهي المعروف بالسور السليماني، ويشرف عليها من شرقيها جبل أعلى منها، يفصل بينهما الوادي المعروف بوادي جهنم، ويعرف بالطور، وبه بناء جليل رومي، وبهذا الوادي عين سلوان وهي تخرج من مكان في الجبل الذي عليه بناء مدينة القدس، وقد كانت مدينة القدس مبنية بالحجر والكلس وغالب حجرها أسود.
وإن المسجد الأقصى الذي نال البركة من الله تعالى يشمل كل ما في داخل هذا السور المشتمل على أبواب كثيرة، والتي يوجد منها ما هو مفتوح، كباب الأسباط، وباب حطّة، وباب شرف الأنبياء، وغيرها، ومنها ما هو مغلق كباب السكينة، وباب الرحمة، وباب التوبة، وغيرها، فكل ما في داخل هذا السور يُسمى الحرم، والمسجد الأقصى هو يقع في القسم الجنوبي من ساحة هذا الحرم.
وقد كان للقدس تاريخٌ حافلٌ من اهتمام العلماء، والمؤذنين، والقراء، بل ومن سائر المسلمين؛ باعتباره أهم معالم الإسلام في فلسطين، ولا يمنع ذلك أنه نال اهتمام غير المسلمين أيضًا.
ولم يأت احتفاء المسلمين على مر الزمان والأيام بالمسجد الأقصى لمجرد أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره فحسب، بل لما له من المزايا الأخرى ما ليس لغيره من المساجد، فمن ذلك: أنه أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وفيه الموضع الذي عُرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء منه، وكذا فيه موضع مصلى نبي الله أيوب عليه السلام بالملائكة على قبة يقال لها: قبة الملائكة، وفيه محراب السيدة مريم عليها السلام، وفيه متعبد زكريا عليه السلام، وفيه قبر الخليل إبراهيم عليه السلام على الصحيح، بل وهو نفسه من بناء داود وسليمان عليهما السلام؛ ولـمَّا كان المسلمون يؤمنون بكل أولئك الأنبياء، ولِمَا ظهر من رسول الإسلام عليه السلام من اهتمام بهذا المسجد تعيَّن أن يكون مَعْلَمًا إسلاميًّا مهمًّا.
ومن العبارات التي أطلقها العلماء والمؤرخون على هذا المسجد العامر: "أن المسجد الأقصى ليس له نظير تحت أَدِيم السَّمَاء ولا بُني فِي الْمَسَاجِد صفته ولا سعته"، وقد جاء وصف المسجد في التاريخ بأوصاف دقيقة مفصلة، فمنها: أنه وُصف في القرن العاشر الهجري بصفات عجيبة لحسن بنائِهِ ولإتقانه، فهذا الجامع الَّذِي هو المتعارف عِنْد النَّاس أنه الْمَسْجِد الْأَقْصَى يشْتَمل على بِنَاء عَظِيم بِهِ قبَّة مُرْتَفعَة مزينة بالفصوص الملونة، وتحت هذه الْقبَّة الْمِنْبَر والمحراب.
ومما ذُكر في وصفه أن به (9) قباب موزعة في أنحائه، وقد تم بناء هذه القباب في عصور متعددة، وله مآذن أربع؛ وبه أروقة تسعة، ويشتمل على (137) نافذة، وقد اهتم برفع قواعد أبنية هذا الحرم القدسي جمعٌ كبير من ملوك العرب ومن سلاطينها وأمرائها من بداية الفتح الإسلامي على عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ولا شك في أن أهل فلسطين قد اهتموا واعتنوا في كل العصور بهذا المسجد المعمور.
وإنه ليوجد بهذا المسجد محراب يُقَال: إنه محراب دَاوُد عليه السلام، وهو المحراب الظَّاهِر بالْجَامِع الْمَبْنِيّ فِي السُّور القبلي من جِهَة الشرق بِالْقربِ من مهد عِيسَى عليه السلام.
فالمسجد الأقصى من معالم الإسلام التي حظيت باهتمام واعتناء المسلمين على مر العصور، ولم يكن هذا الاهتمام محصورًا في فئة من الناس، بل اهتم به العلماء في نفس الوقت الذي اهتم به الحكام والسلاطين والأمراء، وكذا عامة الناس في شتى البقاع.
المراجع