سيدنا إبراهيم عليه السلام

الثابت تاريخيًّا أن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام استقرَّ في آخر حياته بفلسطين ودُفن بها، وقد اختُلف في موطن ولادته؛ فقيل: وُلِدَ بِالسُّوسِ من أرض الْأَهْوَازِ. وقيل: ولد بِبَابِلَ. وقيل غير ذلك. ولكن المتفق عليه أنه تنقَّل كثيرًا بين بلدان متعددة؛ منها: مصر، والحجاز، والشام، وغيرها، وكانت فلسطين هي مستقرَّ وموطنَ إقامة نبي الله إبراهيم عليه السلام الأخير.

ولم تكن إقامة سيدنا إبراهيم ودفنه بفلسطين أمرًا عابرًا أو حدثًا تاريخيًّا مضى عليه الزمان، بل ربطت بسيدنا إبراهيم وفلسطين علاقات رُوحية وحسية عميقة، أثبتت أن فلسطين قد تأثرت تأثرًا بالغًا بسيدنا إبراهيم الذي هو أبو الأنبياء، ومن ذلك أن قد كتب الله تعالى الخلود لاسمه الكريم، فنجد أن هناك أشياء كثيرة تم تسميتها باسمه الكريم، فمنها مثلًا مسجد إبراهيم عليه السلام الذي هو من المعالم الشهيرة بفلسطين، وكذلك أحد أبواب القدس الشهيرة للقدس، وهو باب إبراهيم، وأيضًا البلد المعروف الآن بمدينة "الخليل"، والتي هي "حبرون"، وهي موضع قبره وقبر ولده إسحاق وقبر ولد ولده يعقوب، وهذا كله في المربعة التي بناها سُليمان بن داود عليهم جميعًا السلام، وقد دُفن في هذا الموضع عند قبر زوجته سارةَ في مزرعة حبرون بفلسطين، وتولى دفنَه إسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فمن ذلك البيان التاريخي الواقعي نُدرك أن فلسطين وطنٌ عاش فيه الخليل عليه السلام ودُفن فيه، وأن فلسطين وطن عاشت بعض مقدساته بالخليل عليه السلام؛ فلذا لم تكن الصلة بينه وبين فلسطين متوقفة عند حد، بل هي ممتدة إلى أن يشاء الله.

ومما يُرشدنا إلى تلك العلاقة الوطيدة بين سيدنا إبراهيم وفلسطين: أن منطقة الخليل قد حظيت بأنواع وفنون العمارة، وكذا نالت اهتمامَ كثير من أعيان العلماء والأئمة والزهاد والعباد، بصورة تعكس قدسيةَ وقيمة هذا المكان، فضلًا عن أنها من المناطق المؤثرة وذات القيمة بتلك الدولة المباركة.

ولا مِراءَ في أن تلك الصبغة الخليلية على المقدسات الفلسطينية إنما تستقي غذاءها من تلكم المكانة الرفيعة التي يتمتع بها سيدنا إبراهيم عليه السلام بين أفراد العالمين؛ إذ إن الله تعالى قدِ اصطفاه وأتم عليه نعمه واتخذه خليلًا؛ لكمال عبوديته وإخلاصه العبادةَ له تعالى، والمسارعةِ إلى رضاه ومحبته؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]. وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: 125]، ويكفي في بيان مكانته ومنزلته قول تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: 120]؛ فلنا أن أرض فلسطين تشرَّفت بأن عاش بها رجُلٌ بأُمَّة، وفوق ذلك دُفن بها، وانتشرت أنفاسُه وبركاته بين جنباتها.

المراجع:

  • الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 1/ 86، وما بعدها، ط. دار الكتاب العربي.
  • "تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس"، للعلامة محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري، 1/ 85، ط. دار صادر.
  • البدء والتاريخ، لمطهر بن طاهر المقدسي [ت: نحو 355هـ]، 3/ 52، ط. مكتبة الثقافة الدينية.
  • شرح الشفا، للعلامة الملا القاري، 1/ 335، ط. دار الكتب العلمية.
  • الأخبار الطوال، للدينوري [ت: 282هـ]، ص 8، ط. دار إحياء الكتب العربي.
  • البداية والنهاية، لابن كثير، 1/ 200، ط. دار إحياء التراث العربي.
  • تاريخ الطبري، للطبري، 1/ 293، ط. دار التراث.