حائط البراق

الواقع المعاصر يضطرنا إلى أن نقرر أنَّ ساحة المسجد الأقصى المبارك بكلِّ ما تشمله مِن معالم وآثار تُمثل جزءًا لا يتجزأ مِن تراث المسلمين ومعالم دينهم الواضحة، وأنَّ الحائط الغربي هو أحد هذه المعالم، وإنه لتعود ملكيتُه إلى المسلمين وحدهم؛ لأنه يُمثل جزءًا لا يتجزأ مِن الحرم القدسي الشريف الذي هو من أملاك الوقف الإسلامي.

وليس هذ القول مجرد قرار عاطفي، وإنما هو قرار اللجنةِ الدوليَّة التي تم تشكيلها سنة: 1930م للبت في زعم اليهود وادعائهم ملكية ذلك الحائط. وقد تقدمت هذه اللجنة بتقريرها إلى عصبة الأمم، التي هي منظمة الأمم المتحدة حاليًّا، وهو بعنوان: «الحقُّ العربي في حائطِ المبكى في القُدس»، وتتلخَّص الاستنتاجاتُ التي خرجت بها اللجنة في: أنَّ "حائط المبكى" بالذاتِ هو: أثرٌ إسلامي مقدس، وأنه بكلِّ حجر ومدماك فيه، طولًا وعرضًا -بما فيه الرصيف المقابل والمنطقة الملاصقة له داخل أسوار المدينة القديمة- ملكٌ عربي ووقف إسلامي خالد، وأن كلَّ ما لليهودية علينا هو "حق" الزيارة إلى الحائط ليس إلا. وأن هذا الحق منبعُه التسامح العربي الإسلامي ولا ينطوي على أيِّ نوع من أنواع الملكية لليهود، بل هو مقيَّد بالحدود التي تفرضها الأعراف والتقاليد الإسلامية من حيث أوقات الزيارة أو كيفية أدائها، وما يجوز للمصلين اليهود الإتيان به إلى الحائط من أدوات من أجل الزيارة.

 فهذا مما يشهد به التاريخ ومما يؤكد بما لا مجال معه للريب أن "حائط البراق" معلمٌ إسلامي، وجزء من حضارة المسلمين التي اشتملت عليها بلاد فلسطين العربية الأبية.

وخلاصة ما نود تقريره هو أنَّ "حائط البراق" جزءٌ لا يتجزأ مِن الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف. ويرى المسلمون: أنه المكان الذي ربط فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البراق، ومنه دَخَلَ إلى المسجد الأقصى ليلة الإسراء، وهذا يوضح سبب اهتمام المسلمين به وتمسكهم بكونه معلمًا من أهم معالمهم وحضارتهم.

 ومما نرى إيراده هنا ما يدعيه بعض الناس من أنَّ هذا الحائط إنما هو من بقايا أحد الهياكل التي بُنيت عبر التاريخ القديم، وهو كلام لا حجة عليه ولا مستند له إلَّا الوهم؛ لأن أدلة المسلمين المروية بالسند الصحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الحجة الأقوى التي لا تُرد، وهي بمثابة الشمس الطالعة، ونكرانها لا يزيد المنكر إلا وهمًا وتخبطًا وعنترية كاذبة؛ فمما أثبته المسلمون ووثقوه بخصوص هذه القضية ما أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والذي فيه: «وخرج معي جبريل لا يفوتُني، ولا أفوتُه حتى انتهى بي إلى بيتِ المقدس، فانتهى البراق إلى موقِفِه الذي كان يقفُ، فربطه فيه، وكان مربط الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

والمقرر أن المسلمين يؤمنون بجميع الأنبياء، وأن ما يتفرد به نبيهم صلى الله عليه وسلم أو يُقِرُّه من عمل إخوانه من الأنبياء إنما يأخذ الطابع الإسلامي، ولا يمكن وجود ما يصرف المسلمين عن التمسك به بحال.

المراجع:

  • الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 166، 167، ط. دار الكتب العلمية.
  • شرح الزرقاني على المواهب اللدنية 8/ 105، ط. دار الكتب العلمية.
  • حائط البراق "الذي سماه اليهود ظلمًا وعدوانًا حائط المبكى" للدكتورة زينب عبد العزيز ص: 10، 101، ط. دار الحرمين.